آخر تحديث تم : 27/03/2024 English الرئيسية اتصل بنا الخدمات الإلكترونية روابط
 


      رئيس مجلس القضاء الأعلى يلتقي النائب العام و يبحثان قضايا مشتركة            المستشار محمد عبد الغني عويوي يتسلم مهامه رئيساً للمحكمة العليا/محكمة النقض رئيساً لمجلس القضاء الأعلى            إعلان للمعترضين على نتائج المسابقة القضائية لتعيين قضاة صلح            سلطة النقد و"القضاء الأعلى" يوقعان اتفاقية لربط المحاكم بمنظومة الدفع الوطنية E-SADAD            المستشار أبو شرار يلتقي وفداً من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وسواسية المشترك            إعلان بخصوص الاعتراضات على المسابقة القضائية            مقال بعنوان : تعزيزاً للسلم الأهلي ولمقومات الصمود بقلم المستشار/ عيسى أبو شرار، رئيس المحكمة العليا/ رئيس مجلس القضاء الأعلى      
هيبة القضاء  


07/08/2012

 

 

 
القاضي محمود جاموس
رئيس محكمة بداية رام الله
 
 
 
لاشك ان القضاء وعمل القضاة له طابع خاص حيث ان القاضي هو ميزان العدل في أي مجتمع ومن خلال عمل القضاة يتم قياس العدالة واحترام حقوق الانسان ومن ثم مدى تحضر هذا المجتمع وتنفيذه للقوانين واحكام القضاء ولذلك فأن كافة المجتمعات المتحضرة توفر للقضاة العوامل الكاملة والمناسبة لقيامهم بعملهم وبما يحقق ويصل الى احكام عادلة في القضايا المطروحة امامهم دون التاثر بأي عوامل محيطة يمكن ان تؤثر على العدالة وعلى احكام القضاء.
ان هيبة القضاء هي حكاية قديمة قدم الازل سابقة لخلق البشر فالله تعالى خلق الكون وخلق فيه سننا لا تبديل لها تضمن استمرار الحياة على هذه الارض ومن هذه السنن العدالة والحق والحساب ومع خلق الانسان وانبعاث حضاراته ودخوله عصر التنظيم والدول أيقن الانسان ان لاحياة في مجتمعاته الا بصيانة هذه القيم الربانية والتمسك بها والا كان مصير مجتمعه الفوضى والظلم وحتماً بعد ذلك الهلاك فالبشر مصالحهم متضاربه متعارضة ولو ترك امرهم لاهوائهم لسادت شريعة الغاب وكان الحق للاقوى لا لصاحب الحق وهذا امر نرفضه بفطرتنا البشرية وايماننا الفطري بالعدالة والحق والحساب .
مع ادراك هذه القيم وقيام الدول اسندت هذه المهمه للجهة صاحبة القوة والهيبة الى المحاكم ومع تطور مفهوم الدولة وتشعبها وتنوع مهامها وواجباتها ظهرت الحاجة الى مؤسسة مستقلة بذاتها تتولى رعاية العدل كجزء من دولة المؤسسات الحديثة هذه الدولة التي تستمر وتزدهر ان غاب اشخاصها ام حضروا والتي تقوم على مبادئ راسخة وثابته والتي ترعى الحريات ويأخذ فيها كل صاحب حق حقه.
ومن هنا ابدا حديثي من تصوري لدولتنا الفلسطينية القادمة دولة العلم والايمان والعدالة عندما ارى هذه الصورة المشرفه لما نسطيع تحقيقه ان شاء الله فأننا وبالضرورة نرى قوة السلطة القضائة وهيبتها وكفاءتها واستقلالها ارى مجهوداً قادراً على الثقة بالقضاة يقول الخصم وقت الخلاف لخصمه بيننا القضاء ارى قضاة بحصانات وامتيازات يقفون في الصف الاول للنخبة والقادة ارى مجتمعاً عادلاً امنا مطمئناً . ان هيبة القضاء ليست عنصراً واحداً ولا صفة واحدة بل هي نتاج لمزيج منسجم من الصفات والعناصر المرتبطة بالقضاء وهذا ليس بالموضوع السهل لكنني سعيت لتبسيطه الى الحد الممكن.
عندما نصف شخصاً بأنه صاحب هيبة فما المقصود بذلك؟
هل هو بالضرورة شخص ضخم الجسم ام قد يكون ضئيل الجسم؟
هل هو بالضرورة ثري ام يكون متوسط الحال ام فقير وبذات الوقت له هيبة؟
هل الهيبة مرتبطة بالمنصب السياسي ؟ لا اظن.
هل ترتبط بنبرة الصوت؟ ام بالشدة؟ ام بماذا؟
 
 
لا تحديد دقيق لمعنى الهيبة فهي نتاج لمزيج من صفات لكننا بالتاكيد نشعر بوجود الهيبة او غيابها بالمرء واقيس على هذا المثل البسيط سلطتنا القضائية ومحاكمنا
ان هيبة القضاء الفلسطيني في سنوات خلت قد فقدت وضاعت عندما اعتدي على شخص القاضي واقفلت المحاكم بقوة السلاح من قبل قطاع الطرق .
تلك الفترة ادمت القلب ولكن الان جاءت قوة الامن والقانون والوضع اليوم بالتاكيد افضل مما كان عليه قبل عدة سنوات حيث تمت نقلة نوعية مميزة لا يستطيع احد نكرانها في السلطة القضائية لكن مثل هذه الصور التي ذكرتها لا يجوز ان تغتفر ويجب ان تبقى حية في وجدان كل واحد منا حتى نعمل على الحيلولة دون تكرارها غداً .
وحتى نضع لجهازنا هيبة واستقلالاً تحفظه وتحفظ به حقوق الناس خاصة وان جهازنا القضائي يتعرض لهجمة شرسة من الطامعين والذين لا يعجبهم النجاحات التي حققتها السلطة القضائية خاصة بعد ان تم مأسسه السلطة القضائية.
انني ارى ان عناصر الهيبة للسلطة القضائية تتمثل فيما يلي :
اولاً: استقلال السلطة القضائية من حيث المال والقرار والادارة فبالرجوع الى مبدأ الفصل بين السلطات الذي هو اساس لجميع الديمقراطيات الحديثة وقاعدة الحكم الرشيد فأن السلطة القضائية هي احدى سلطات الدولة الثلاث تقف على قدم المساواة مع السلطة التشريعية والتنفيذية في ممارستها لاختصاصاتها الحصرية وتمارس على السلطتين الاخريين نوعاً فريداً من الرقابة وتحمي حقوق الافراد في مواجهتها في تركيبة منسجمة لحكم عادل وهذا يقضي بالضرورة وحتى تتمكن سلطتنا القضائية من القيام بالدور المنوط بها ان تتمتع باستقلالية تتمثل اولا في استقلالها ماليا بحيث لا تكون رهينة لاهواء الحكومات وتقلبها وتكون في منأى عن ابتزاز قضاتها في مصدر عيشهم ودعوني هنا الفت النظر الى قدرة محاكمنا وسلطتنا القضائية ان تستقل بميزانيتها عن موازنة السلطة التنفيذية باكتفاء ذاتي من المتحصل من رسوم الدعاوي وايرادات صناديق المحاكم.مثل هذا الامر لو تحقق فأن سلطتنا القضائية تكون قد خطت خطوة كبيرة في سبيل تحسين اوضاع المحاكم من مرافق وطواقم ومراجع قانونيه كما سيساهم في السمو بمستوى اداء القضاء وموظفي المحاكم وتحسين اوضاعهم المعيشية وامتيازهم مما ينعكس على نزاهة قضائنا وعدالته ثم ان استقلال السلطة القضائية يقتضي ثانيا ان تكون للسلطة القضائية وحدها ادارة شؤونها بما تصدره من قرارات وانظمة بالادارة وهذا ما رسخه رئيس المجلس الحالي والذي لا يزال يدافع عنه امام الذين يحاولون سحب ذلك من صلاحيات المجلس- فلمجلس القضاء وحده اصدار القررات والتعليمات المنظمة لعمل القضاء لا لغيره بحيث يحافظ هذا الاختصاص على التوازن في علاقة السلطة القضائية بغيرها من السلطات.
 
ثانياً: تحصين السلطة القضائية من تدخلات السلطة التنفيذية ولها كثير من الصور لا اريد ذكرها في هذا المقام وسعيها للسيطرة على اختصاصه وهو اذا تم لا قدر الله فهو امر جلل في المساس باستقلال القضاء وحقوق الناس وحرياتهم وفي السابق كان رنين الهاتف البغيض من رجال السلطة التنفيذية المتنفذين وكبار المسؤولين في تدخلهم في سير الدعاوي وهي صور وصلت الى اوجها قبل عدة سنوات وانكمشت واندثرت مع العهد الجديد لمجلس القضاء الاعلى لكن لا شيء يحول دون تكرارها سوى صمود مجلسنا وصلابة موقفنا كقضاة في صيانة القانون.
ومن صور التدخل ايضا امتناع الاجهزة المسئولة عن تنفيذ الاحكام القضائية او التفافها على احكام المحاكم كالحبس لمدة طويلة دون احكام قضائية او اتخاذها اجراءات بحق الجمهور تحت ذرائع الامن والحفاظ على النظام العام وهنا اؤكد ان لكل واحد منا مسؤولية متابعه هذه المسائل لا من باب الواجب فحسب وانما من باب الامانة الملقاه على عاتقنا في اعتاق المظلوم ومحاسبة الظالم واجباً قانونيا وعقيدياً
ثالثًا: تماسك الجهاز القضائي كجسم واحد وهنا اشير ومعظمنا على بينة ان بعض ابناء جهازنا القضائي يسخرون طاقاتهم ضد بعضهم ينتظرون الخطأ ليصنعوا منه قضية ينتقدون بكلام لاذع هدام لا نقدا علمياً بناء. ان اختلاف العقول والشخصيات داخل الجهاز الواحد هو ثروة له فكل منا يكمل نقص الاخر وان وجد خلاف بيننا فهذا نتيجة طبيعية لاختلاف العقول لكن يجب الا يصل بكل الاحوال الى حد الكراهية والعمل ضد بعضنا البعض. ان رسالتنا واحدة ونحن جهاز واحد وموقع كل منا محفوظ بجده.فلنسخر قوانا لمصلحة سلطتنا القضائية. والله ان تحدياتنا لكثيرة وكبيرة فلنخرج من حسابات المصالح الشخصية والتكتلات ضد بعضنا البعض لنعمل كجسم واحد ثم انني احث نفسي والسادة القضاة على ضرورة التناصح وتبادل الخبرات بيننا لنسموا بعلمنا وبمستوى قراراتنا فليساعد كل منا الاخر وليغطي نقص زميله فلكل منا عيوبه ولا كمال لبشر .
رابعاً: على المستوى الشخصي :
ان مهنة القضاء وعلم القانون بحر لا نهاية له والقاضي النظامي بحكم سعة اختصاصه تمر عليه الاف المسائل كل منها يطرق باباً من ابواب العلم وهذا يوجب على القاضي ان يكون متمكنافي علمه مطلعا على كل جديد وهذا يوجب على القاضي على المستوى الشخصي ان يقرأ ويطالع ويبحث ويجتهد فمهمة القاضي لا تنتهي بخروجه من باب المحكمة بل يبدأ شقها الثاني لدى وصوله المنزل فهو مطالب ان يقرأ وينمي علمه ويبحث في القوانين والشروحات وامهات الكتب عن حلول لما يعرض عليه من مسائل لتكون احكامه اقرب للصواب ويكون اكثر شجاعه في اتخاذ القرارات ثم ان كل قاض منا هو سفير للسلطة القضائية وجه يعكس حسن او قبح هذه الجهة التي ينتمي اليها وعليه يكون مثالا يحتذى في سلوكه بعيدا عن مواطن الشبهات قدوة لكل من يعمل ويتعامل معه.ثم ان على القاضي ان يكون حكيما في قراراته يبحث عن العدالة اولا عليه ان يكون رحيما مع من يستحق الرحمة وهذه الرحمه لابد ان تقترن بالحسم والشدة في مواضعهما بصد الظالم واقتضاء الحق من القوي قبل الضعيف بالوقوف مدافعاً عن استقلال جهازه في وجه السلطات الاخرى وبالذود عن حرمة القضاء امام كل من تسول له نفسه التجاوز عليه اياً كان شخصه من هنا تبدا الهيبة.
ان هيبة القضاء في اعين الجمهور هي شخصيات القضاة اولا في علمهم وسلوكهم واتزانهم وحكمتهم ووقارهم واخيرا هيبتهم.
 
واخيراً اختم قائلاً:
ان امام هيبة القضاء مسيرة طويلة دربها مليء بالتحدي والتصدي ونتمنى ان يكون بأمكاننا ان نصل الى تحقيق هيبة واستقلال سلطتنا القضائية ولسنا اقل شأناً مما وصلت اليه هذه السلطة في كثير من الدول لسنا اقل كفاءة ولسنا اقل شجاعه نحن قادرون ان نصل الى دولة القانون هذه مسؤوليتنا.
ان الله تعالى في كتابه العزيز ربط الحساب يوم القيامة بألاهوال والخوف والهيبة وان وظيفة القضاء الدنيوية التي علقها الله في اعناقنا تستوجب ان نصنع لقضائنا هيبة حتى تكون لقراراته واحكامه الهيبة وتقر العدالة في هذه الارض المباركة.
اذا استطعنا الحفاظ على استقلال السلطة القضائية كسلطة مستقلة ،اذا استطعنا ان نعمل كجهاز واحد متماسك يعمل اعضاءه معاً لا ضد بعضهم اذا استطعنا ان نحول دون تدخل الغير في اختصاصنا اذا استطاع كل منا ان ينمي علمه ويطور نفسه فاعلموا اننا حققنا بذلك هيبة القضاء.
اذا جاء اليوم الذي يقول فيه المظلوم لظالمه بالفم الملآن بيننا المحكمة فيرتعد الظالم ويرتدع من وقع الكلمة فاعلموا اننا ادينا الامانه على اتمها وحققنا للقضاء استقلاله وهيبته.
 
 
                                                                           القاضي محمود جاموس
رئيس محكمة بداية رام الله