آخر تحديث تم : 28/03/2024 English الرئيسية اتصل بنا الخدمات الإلكترونية روابط
 


      رئيس مجلس القضاء الأعلى يلتقي وفداً من هيئة تسوية الأراضي             رئيس مجلس القضاء الأعلى يلتقي النائب العام و يبحثان قضايا مشتركة            المستشار محمد عبد الغني عويوي يتسلم مهامه رئيساً للمحكمة العليا/محكمة النقض رئيساً لمجلس القضاء الأعلى            إعلان للمعترضين على نتائج المسابقة القضائية لتعيين قضاة صلح            سلطة النقد و"القضاء الأعلى" يوقعان اتفاقية لربط المحاكم بمنظومة الدفع الوطنية E-SADAD            المستشار أبو شرار يلتقي وفداً من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وسواسية المشترك            إعلان بخصوص الاعتراضات على المسابقة القضائية      
بحث- قاضي التسوية في أصول المحاكمات  


03/03/2013

 

 

قاضي التسوية 
في ضوء قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية 
الفلسطيني رقم 2 لسنة 2001.

اعداد
فاتح حمارشة
فؤاد الخطيب
المكتب الفني

 

 

مقدمة:
يشكل القضاء اليوم مرفقا من مرافق الدولة الحديثة وهو مظهر من مظاهر سيادة الدولة ويندرج ضمن مهامها الأساسية بالإضافة إلى وظيفته الرئيسية في تطبيق القانون وتحقيق العدالة.
ولأن القضاء يشكل ضمانة أساسية لبناء المجتمع بما يساهمه من تحقيق وترسيخ للعدل بين الناس، كان لا بد من النهوض وبكل الجهود لتعزيز دور القضاء وتفعيل أهميته الأساسية في إشاعة العدل وتوفير السكينة والطمأنينة والشعور بالأمن والأمان، من خلال دور القضاء في الفصل بالنزاعات المعروضة عليه الأمر الذي تجسد في قوانين الإجراءات والتي منها قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية الذي أوجد في نصوصه قواعد وأحكام جديدة تتعلق بالتسوية القضائية وهي أحكام لم يسبق أن تضمنتها القوانين السابقة التي كان يعمل بها قبل دخول قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية رقم 2 لسنة 2001 حيز النفاذ، الأمر الذي رأينا معه أهمية هذه النصوص في البحث والتحليل والتي هي دور قاضي التسوية في ظل قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية الفلسطيني، وذلك لأهمية هذا الدور الذي يقوم به قاضي التسوية والآثار المترتبة عليه.
وعلى الرغم من ندرة المراجع الباحثة في التسوية القضائية وغياب التطبيق العملي لنصوصها، وجدنا من المحتم علينا البحث في هذه النصوص لتبيان الكيفية التي يقوم بها قاضي التسوية بدوره وفقا لأحكام القانون، بما يساهم في إزالة اللبس عن هذه النصوص ويعمل على سرعة تطبيقها.
وقد تم تقسيم هذا البحث إلى مطلبين وفقا لما يلي:-
1. المطلب الأول :- عمل قاضي التسوية.
2. المطلب الثاني:- أهمية وأهداف قاضي التسوية.
وفي المطلب الأول تم بحث عمل قاضي التسوية منذ تسجيل الدعوى لدى قلم المحكمة حتى تصرف قاضي التسوية بملف القضية المعروضة أمامه. وفي المطلب الثاني فقد تم بحث أهمية وأهداف قاضي التسوية بالبناء على الآثار المترتبة على الدور الذي يقوم به سواء كان من حيث العمل القضائي أو من النواحي الاقتصادية والاجتماعية.
آملين أن نخرج من خلال مناقشة هذه النصوص الحديثة للتسوية القضائية بنتائج تفيد المهتمين والعاملين في القانون والقضاء في التطبيق العملي لهذه النصوص.

والله الموفق.

 


المطلب الأول:- دور قاضي التسوية:

يعرف قاضي التسوية على أنه القاضي الذي يتولى التوفيق بين الخصوم في الدعاوى التي يجوز الصلح فيها ، ويلعب هذا القاضي دورا هاما في المنظومة القضائية الفلسطينية إذ يعد أحد ركائز هذه المنظومة على الرغم من عدم تفعيل دوره في المحاكم الفلسطينية حتى هذه اللحظة ، ويعود ذلك لأسباب لوجستية وإدارية بحتة، ويتركز نشاط هذا القاضي في توجيه الخصوم إلى التسوية القضائية وحل النزاع الحاصل بينهم، وهو بالتالي يعمل على السيطرة المبكرة على الدعوى للوصول إلى حل لها أو إعطاء الخصوم فرصة لحلها بالطرق البديلة لحل النزعات كالتحكيم مثلا، فقاضي التسوية إذن ليس له أن يتدخل في موضوع الدعوى إلا بالقدر الذي يساعده على لعب دوره الرئيس وهو الوصول إلى تسوية حول موضوع الدعوى وللتأكد من كون المطالب التي يدعي بها الخصوم يجوز التقدم بها إلى المحكمة ، وقد أجازت المادة 68 من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية الفلسطيني لسنة 2001 انتداب أحد القضاة في محاكم الصلح والبداية لهذه المهمة ونصت على أن يعقد جلساته في مقر المحكمة المختصة.
وللوصول إلى هذه الغاية وهي التسوية بين الخصوم يقوم قاضي التسوية بدوره وفقا لما يلي:-

أولاً:تسجيل الدعوى لدى قلم المحكمة.

عند تسجيل ملف الدعوى لدى قلم المحكمة المختصة يحيل قلم المحكمة الدعوى ومرفقاتها إلى قاضي التسوية خلال ثلاثة أيام من تاريخ إيداع اللائحة الجوابية بناء على طلب أحد الخصوم ، وبالرغم من أهمية النصوص الناظمة لدور قاضي التسوية وضرورة تفعيلها إلا أننا نرى أن المشرع قد أخفق في المادة 69 من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية لسنة 2001 عندما نص على إحالة ملف الدعوى بناء على طلب أحد الخصوم، إذ كان يفترض على المشرع النص على إحالة القضية دون طلب من الخصوم ذلك أن الخصم عادة آخر ما يلجأ إليه هو الصلح ويلجأ إليه المدعي عادة لأسباب منها:-
1.إذا رأى أن طول أمد الدعوى ونتيجتها قد تلحق به خسارة .
2. لأن الصلح لا يحقق عادة كل ما يطمح إليه الخصم في دعواه.
إضافة لذلك فإن المشرع في المادة سالفة الذكر لم يراعي قواعد التبليغ عند النص على هذه المادة إذ كان يفترض بالمشرع النص على تبليغ الخصوم خلال ثلاثة أيام بضرورة الحضور إلى قاضي التسوية في الموعد الذي يراه قاضي التسوية ضروريا شريطة أن لا تتجاوز هذه المدة عشرة أيام، وبالتالي فقد أخفق المشرع الفلسطيني كثيرا في وضع هذه المادة على هذا النحو الأمر الذي يفترض معه إعادة النظر فيها مرة أخرى والعمل على تعديلها بما يتفق والغاية التي وضعت لأجلها النصوص الناظمة لعمل قاضي التسوية، لذلك نرى شطب المادة 70 من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية لسنة 2001 وتعديل المادة 69 إلى فقرتين لتكون وفقا لما يلي:-
"1.يحيل قلم المحكمة ملف الدعوى إلى القاضي المنتدب خلال ثلاثة أيام من إيداع اللائحة الجوابية.
2.يقوم قاضي التسوية بتحديد جلسة التسوية لتبليغها إلى الخصوم شريطة أن لا يتجاوز موعدها عشرة أيام من تاريخ إحالة الملف إلى قاضي التسوية."
والعبرة من ذلك هو انسجام هذا النص مع الغاية الرئيسية التي لأجلها انتدب قاضي التسوية وهي حل النزاع بطريقة المصالحة ودون إطالة أمد التقاضي، لذلك نرى أن تعديل هذا النص وفقا لما ذكر أعلاه يحقق هذه الغاية على أكمل وجه.
ثانياً :- التوفيق بين الخصوم.

يتولى قاضي التسوية بعد حضور الخصوم أمامه التوفيق بينهم لإتمام عملية التسوية بما يعمل على إنهاء ملف القضية كليا أو جزئياً ، وعلى الرغم من ضرورة عدم تدخل قاضي التسوية في موضوع النزاع ، إلا أنه يفترض به الدراية الكاملة بتفاصيله حتى يستطيع أن يقرب وجهات نظر الخصوم إلى حل يستطيع من خلاله الوصول إلى التسوية وإنهاء ملف الدعوى، والمقصود بعدم تدخل قاضي التسوية بالموضوع هو أن لا يتعامل مع القضية تعامل قاضي الموضوع بما يتطلب منه من سماع للبينات والشهود وتحديد المراكز القانونية للخصوم بناء على ذلك، إذ يشترط في قاضي الموضوع وقاضي التسوية الدراية الكاملة بتفاصيل القضية مع اختلاف طبيعة عمل كل منهما في الوصول إلى حل للقضية المعروضة أمامه، فقاضي الموضوع لا يستطيع الوصول إلى حل للقضية إلى بعد إجراءات المحاكمة العادية وسماعٍ للبينات، بينما يقوم عمل قاضي التسوية على تحقيق الصلح بين طرفي الخصومة بالسرعة الممكنة كليا أو جزئيا بما يؤدي إلى إنهاء ملف القضية ، والوصول إلى صلح يمكن أحد فرقاء الدعوى من التنفيذ وفقا لما جاء بمحضر المصالحة الموقع أمام قاضي التسوية، ويتوجب على قاضي التسوية إنجاز مهمته في تحقيق الصلح بين الخصوم خلال ستين يوما من تاريخ إحالة ملف الدعوى إليه إلا إذا وافق الخصوم على تمديد هذه المدة ، وقد نجح المشرع الفلسطيني حينما نص على وجوب إنهاء القضية خلال ستين يوما من تاريخ إحالتها وذلك كي لا تفقد النصوص الناظمة لعمل قاضي التسوية إحدى غايتها الرئيسية وهي حل القضية دون إطالة أمد التقاضي، ولكن المشرع أيضا أخفق حينما نص على جواز تجديدها بناء على اتفاق الخصوم دون تحديد لمدة التجديد هذه، فإن حصل وجدد الخصوم القضية أكثر من مرة أمام قاضي التسوية أصبح التجديد والحالة هذه سببا لتأخير الفصل في القضايا خاصة إذا ما فشل قاضي التسوية في تحقيق الصلح بين الخصوم الأمر الذي يضطره لإحالة القضية أمام محكمة الموضوع، لذلك كان الأجدر بمشرعنا أن ينص على عدم جواز التجديد لأكثر من مرة
ثالثاً:- تصرف قاضي التسوية بملف الدعوى.

قاضي التسوية وبعد حضور الخصوم أمامه يتوجب عليه محاولة التوفيق بين الخصوم للوصول إلى إنهاء القضية كليا أو جزئيا وفقا لما ذكرناه سابقا، وبعد هذه المحاولة لا تخرج نتائج جلسات المصالحة عن ثلاث وفقا لما يلي:-
1. الصلح الكلي.

وفي هذه الحالة يحرر محضر يوقع الخصوم عليه ويصدقه قاضي التسوية ويكون لهذا المحضر قوة السند التنفيذي ،أي يستطيع الخصوم بناء على ذلك اللجوء إلى دائرة التنفيذ المختصة لتنفيذ مضمون هذا السند، وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذا السند هو من السندات الرسمية التي لا يجوز الطعن بها إلا بالتزوير ولا يمكن للخصم الإحتجاج بعدم صحة توقيعه على هذا السند أمام دائرة التنفيذ وليس أمامه إلا الطعن بتزويره وفقا لما نص عليه القانون، إذ يعد هذا السند حجة على الكافة بما دون فيه ما لم يثبت تزويره بالطرق المقررة قانونا ، ويخضع هذا السند من حيث تسليم نسخه للخصوم أو إذا ما وقع فيه خطأ مادي أو كان بحاجة إلى التفسير إلى ما يخضع له الحكم، إذ قد يتم تحرير هذا السند على مسودة يعتريها الشطب والتغيير حتى الحصول على نسخة أصلية منها، وإن مثل هذا الشطب والتغيير لا يعيب هذه المسودة كونها لا تعدو أن تكون مجرد مسودة ، ويتوجب كذلك أن يكون السند موقعا ومصدقا من قاضي التسوية وفقا لما نصت عليه المادة 73 من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية لسنة 2001 شأنه في ذلك شأن الحكم .

2. الصلح الجزئي.
قد ينجح قاضي التسوية وخصوصا إذا ما تعددت مطالب المدعي في الدعوى للوصول إلى حل جزئي وذلك بتحقيق المصالحة بين الخصوم في بعض المطالب والإخفاق في بعضها الآخر، عندها يسري على ما تم التصالح عليه كما لو كان الصلح قد تم على كامل القضية وفقا لما ورد في البند 1 أعلاه من كون السند قابلا للتنفيذ في هذا الجزء، ويعمل قاضي التسوية على إحالة النزاع إلى قاضي الموضوع ولكن دون الإخلال بما يكون قد تم من تسوية جزئية إذ لا يعرض ما تم من تسوية جزئية على قاضي الموضوع، ولكن ذلك لا يعني أن يحال ملف القضية إلى المحكمة المختصة دون أن يشتمل على السند الذي تمت فيه المصالحة الجزئية، وذلك حتى يتمكن قاضي الموضوع من السير في الدعوى من النقطة التي وصل إليها قاضي التسوية، والابتعاد عن ما تم الصلح فيه أمام قاضي التسوية أو السير في القضية بناء على ذلك بما يحقق سرعة البت في القضية دون تناقض أو تكرار لما تم بحثه ومعالجته وحله أمام قاضي التسوية، وفي ذات الوقت لا يجوز أن ترتب الإجراءات التي تمت أمام قاضي التسوية أي إجحاف بحق الخصوم أمام محكمة الموضوع ، بما يعني عدم جواز تأثر قاضي الموضوع أثناء نظره الدعوى المحالة إليه من قاضي التسوية بالإجراءات التي تمت أمام الأخير، إذ على قاضي الموضوع السير في القضية وفقا للأصول المعمول بها في أية دعوى دون النظر إلى ما تم أمام قاضي التسوية من إجراءات.
3. عدم التوصل إلى المصالحة.

وفي هذه الحالة يقوم قاضي التسوية بإحالة ملف القضية برمته إلى قاضي الموضوع، وقد جعل المشرع الفلسطيني عدم حضور أحد الخصوم الجلسة المعينة أمام قاضي التسوية أو عدم رغبة أحد الخصوم في التسوية سببا لإحالة القضية إلى قاضي الموضوع بما يعني إخفاق قاضي التسوية في التو صل إلى صلح ، وربما كان قصد المشرع من النص على ذلك هو عدم إطالة أمد التقاضي، إلا أننا نرى أن ذلك قد يكون من خلال تعديل هذا النص وذلك بإعطاء الخصوم فرصة أخرى خلال مدة معينة لا تتجاوز عشرة أيام للوصول إلى الصلح في حال تغيب أحدهم أو عدم رغبته في الصلح وإن أخفق قاضي التسوية بعدها أحال القضية إلى قاضي الموضوع.

 

ويثور التساؤل هنا عن مدى قابلية سند المصالحة للطعن به؟
إن سند المصالحة هذا قد نشأ بناء على اتفاق الخصوم نتيجة للدور الذي لعبه قاضي التسوية للوصول إلى هذا الحل وقد أجابت محكمة النقض الفلسطينية على هذا التساؤل إذ استقر اجتهادها على عدم جواز الطعن بالأحكام الصادرة بناء على اتفاق الخصوم ، وعلى الرغم من دور قاضي التسوية في تقريب وجهات نظر الخصوم لتوصيلهم إلى حل للنزاع بطريق المصالحة إلا أن سند المصالحة ما هو إلا اتفاق بين الخصوم على حل النزاع الدائر بينهما بطريق التراضي، ويكون لذلك غير قابل للطعن فيه.

 

المطلب الثاني: أهمية وأهداف قاضي التسوية:-

إن للدور الذي يلعبه قاضي التسوية أهمية كبيرة سواء من جهة تخفيف حدة الاختناق القضائي وتعزيز الثقة بالقضاء أو من النواحي الاقتصادية والاجتماعية، إذ أن النص على وجود قاضي التسوية في محاكم الصلح والبداية له من الأهمية ما لا يمكن حصره في نقاط أو فوائد وأهداف معينة، ولكننا ارتأينا أن نضع بعض هذه الفوائد والمهام وذلك لفتح المدارك أمام القارئ لاستنتاج أهدافٍ وأدوارٍ قد تكون أكثر أهمية مما سنذكره في هذا المطلب، وقد أحسن صنعا مشرعنا الفلسطيني عندما نص على رد ثلاثة أرباع رسوم الدعوى إذا انتهى النزاع صلحا أمام قاضي التسوية ، إذ أن مثل هذا النص يعمل على تشجيع الخصوم وخاصة المدعي الذي قام بدفع الرسوم بداية والمدعى عليه إذا ما رأى أن الرسوم ستنقلب عليه إذا خسر دعواه إلى الوصول للصلح أمام قاضي التسوية، بما يساهم في تحقيق الدور والأهداف التي وضعت لأجلها النصوص الناظمة لعمل قاضي التسوية.
أما أهم الأهداف الذي رأيناها فهي ما يلي:-

1. التخفيف من الاختناق القضائي

إن دور قاضي التسوية الذي تم النص عليه في قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية الفلسطيني في المواد من (68 – 78)، يعطي القاضي كما قلنا سابقاً السلطة في التوفيق بين الخصوم، عند حضوهم للجلسة المقررة من قبل القاضي، وذلك من خلال محاولته حل النزاع بين الخصوم بطريق ودي، وهذا ما تم النص عليه في المادة 71 من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية رقم 2 لسنة 2001، وإذا توصل الأطراف إلى تسوية سواء كانت كلية أو جزئية، فيقوم القاضي وقتها بتحرير محضر بهذه التسوية ويوقعه من الأطراف ويصادق عليه ويعتبر بمثابة سند تنفيذي سنداً لأحكام المادة 73من القانون المذكور.

إن دور قاضي التسوية وفق ما تم الحديث عنه سابقاً، إذا ما تحقق فإن أثره سينعكس إيجابا على عدد القضايا المعروضة على قضاة الموضوع (الصلح والبداية) وذلك من خلال تقليل عدد القضايا التي تصل إليهم، وما سيترتب على ذلك من تخفيف العبء الملقي على عاتقهم، وتمكينهم من القيام بواجباتهم بشكل أفضل مما هو عليه الآن، هذا إضافة إلى أن النص على وجوب إنهاء القضية أمام قاضي التسوية خلال مدة معينة وتحديد مواعيد الإجراءات أمام قاضي التسوية يعمل وبشكل ملحوظ على تخفيف العبء على قاضي التسوية ذاته ويعطي الخصوم في الدعوى فرصة للوصول إلى حل ودي بفترة زمنية محدودة يعني انتهاؤها فشل الخصوم في التوصل إلى المصالحة، وخوض المحاكمة العادية إلى أمد غير معروف وعوارض قد يكون لا حدود لها.

2. سرعة الفصل في القضايا

تمر الدعوى المدنية بالعديد من المراحل وتتخذ فيها العديد من الإجراءات، وأمثلة ذلك كثيرة كالطلبات، الدفوع، عوارض الخصومة التي تعترض سير الدعوى، حصر البينة وتقديمها، المرافعة وانتهائها بالقرار الصادر من محكمة الموضوع، وما قد يتبع صدور القرار من عدم ارتضائه من المحكوم عليه والطعن به، وما سيترتب على ذلك كله من إعاقة وتأخير البت في القضايا وإطالة أمدها.

إن نظام التسوية القضائية الممنوح لقاضي التسوية المنتدب من قبل مجلس القضاء الأعلى، يوفر الكثير من الوقت والجهد في البت في القضايا، فبدلاً من أن تمر القضية في كافة المراحل التي نص القانون عليها الأمر الذي يحتاج إلى وقت طويل جدا في غالب الأحيان، لكنه يمكن بفضل نظام التسوية الفصل في القصية وإنهائها في مدة زمنية قصيرة قد لا تتعدى الثلاثة أشهر، إضافة إلى عدم إمكانية الطعن في المصالحة التي تمت أمام قاضي التسوية، كونها سنداً تنفيذياً رسمياً لا يمكن الطعن فيه إلا بالتزوير ولا يجوز الطعن فيه استئنافاً وفقا لما ذكرناه في الطلب الأول من هذا البحث.

3. تشجيع الاستثمار

تتنافس الدول فيما بينها على جلب رؤؤس الأموال إليها، وذلك من خلال قيامها بالعمل على خلق البيئة المناسبة للمستثمرين، ذلك حتى يكون المستثمرون مطمئنين على رؤؤس أموالهم ، وينظر المستثمر عادة إلى عدد من العوامل التي بدورها تعمل على تشجيعه وتحفيزه على الاستثمار، لذلك فإن المستثمرين يولون النظام القضائي والإجراءات المتبعة أمامه أهمية كبيرة في الدولة التي يريدون الاستثمار فيها، لذا بات من الضروري الاهتمام بهذا النظام من خلال تعديل وتطوير التشريعات الإجرائية التي تنظمه، لضمان سرعة تحصيل الحقوق وعدم إطالة أمد التقاضي، ذلك أن الإجراءات العادية المتبعة أمام المحاكم للفصل في القضايا، هي إجراءات كثيرة ومتعددة وتأخذ وقتاً طويلاً، الأمر يؤدي إلى ابتعاد هؤلاء المستثمرين عن نظام التقاضي وتوجههم إلى التحكيم، إلا أن وجود نظام التسوية القضائية في المنظومة القضائية الفلسطينية وأثره الكبير في اختصار الوقت وسرعة البت في الخصومة وتوفير نفقات التقاضي يساهم وبشكل غير مباشر في اجتذاب المستثمرين بأموالهم للاستثمار في فلسطين.

4. تعزيز الثقة بالقضاء

وجد القضاء أساسا الحماية الحق الذي اعتدي عليه، ولما كانت إجراءات المحكمة العادية تتسم بالبطء وتستغرق الكثير من الوقت، إضافة لما يرافق ذلك نفقات مالية ورسوم قضائية، الأمر الذي يؤدي إلى إحجام البعض من التوجه للقضاء لطلب حماية حقوقهم، بما يؤدي إلى فقدان ثقة المجتمع بالقضاء ومس هيبته ولجوء المتنازعين إلى وسائل أخرى لحل النزاع بينهم، إلا أن نظام التسوية القضائية الذي قد منح لقاضي التسوية دورا فعالاً وإيجابيا في التوفيق بين الخصوم وتسريع إجراءات التقاضي واختصار الجهد والوقت والنفقات في تأمين الحقوق لطالبيها، وإيصالهم لمبتغاهم، بما ينعكس إيجابا على النظام القضائي في الدولة ويعزز ثقة المجتمع فيه ويعيد له هيبته.

5. المحافظة على العلاقات الودية بين الخصوم.
يقوم دور قاضي التسوية أساسا على تحقيق الصلح بين المتقاضين، إذ أن تقوم فلسفة هذا الدور الذي يلعبه قاضي التسوية على تقريب وجهات نظر الخصوم وإيصالهم إلى حل ودي ينتهي معه النزاع الحاصل بينهما، ولما كانت المحاكمة العادية عادة – وخاصة في مجتمعاتنا الشرقية- تخلق عداوة بين الخصوم، فإن الوصول إلى حل ودي أمام قاضي التسوية قد يؤدي إلى حل النزاع والمحافظة على العلاقات الودية بين المتنازعين، بما يساهم في تعزيز الروابط الاجتماعية والابتعاد عن كل أسباب العداوة وما قد ينتج عنها من آثار أخرى قد تصل في بعض الأحيان لتشكل جرائم جزائية.

 

 

 

 

 

 

 

 

 


النتائج والتوصيات:-

1. نص قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية الفلسطيني رقم 2 لسنة 2001 في مواده (68- 78) على جواز انتداب قاضي في محاكم الصلح والبداية يسمى قاضي التسوية يعمل على محاولة التوفيق بين الخصوم لحل النزاع الحاصل بينهم عن طريق الصلح.
2. حتى هذه اللحظة لم يتم تفعيل هذه النصوص ويعود ذلك لأسباب إدارية، ونرى من الضروري العمل على تفعيل هذه النصوص وانتداب قاضي في محاكم الصلح والبداية للقيام بهذا الدور الهام.
3. أخفق المشرع الفلسطيني في معالجة إجراءات عمل قاضي التسوية عندما نص في المادة 69 من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية لسنة 2001 على إحالة ملف الدعوى بناء على طلب أحد الخصوم، إذ كان يفترض على المشرع النص على إحالة القضية للتسوية القضائية دون طلب من الخصوم، ونرى ضرورة العمل على تعديل هذه المادة بما يتلاءم والنصوص الناظمة لعمل قاضي التسوية.
4. على قاضي التسوية عدم التدخل في موضوع النزاع، ولكن ذلك لا يعني عدم درايته بكامل تفاصيل القضية حتى يتمكن من القيام بعمله على أكمل وجه.
5. إن عمل قاضي التسوية لا يخرج عن ثلاث نتائج، إما الصلح الكلي أو الصلح الجزئي أو عدم التوصل إلى المصالحة.
6. إذا توصل قاضي التسوية إلى صلح كلي أو جزئي يحرر محضرا بذلك يوقع عليه قاضي التسوية ويكون لهذا المحضر قوة السند التنفيذي ويمكن تنفيذه مباشرة أمام دائرة التنفيذ.
7. محضر الصلح (السند التنفيذي) هو من الأوراق الرسمية التي لا يجوز الطعن بها إلا بالتزوير، كما أنه لا يجوز الطعن به استئنافا كونه نتج بناء على اتفاق الخصوم.
8. عمل المشرع الفلسطيني على تشجيع الخصوم للوصول إلى الصلح أمام قاضي التسوية عندما نص على رد ثلاثة أرباع الرسوم إذا توصل الخصوم إلى الصلح أمام قاضي التسوية.
9. لعمل قاضي التسوية أهمية كبيرة تنعكس على عمل القضاء إضافة إلى النواحي الأخرى الاقتصادية منها والاجتماعية، أهمها التخفيف من حدة الاختناق القضائي وإيجاد دور اجتماعي للقضاء يمتد إلى خارج نطاق الفصل الموضوعي بالنزاعات.